كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



191- وقوله تعالى: {لم يتسنه} قال عكرمة وقتادة لم يتغير وقال مجاهد لم ينتن قال بعض أهل اللغة لم يتسن من قولهم آسن الماء إذا انتن.
وقال أبو عمر الشيباني لم يتسنه لم يتغير من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} ثم أبدل من احدى النونين ياء كما قيل تقصيت وتظنيت وقصيت اظافري بين قال أبو جعفر والقولان خطأ لو كان من قولهم أسن الماء إذا انتن لكان يتأسن قال أبو اسحاق وليس مسنون لأن مسنونا مصبوب.
على سنة الأرض قال أبو جعفر والصحيح أنه من السنة أي لم تغيره السنون.
192- ثم قال تعالى: {ولنجعلك آية للناس} قال سفيان عن الاعمش قال رجع إلى بنيه شيوخا وهو شاب قال الكسائي لا يكون الملام إلا باضمار فعل والمعنى عنده فعلنا هذا لنجعلك دليلا للناس وعلما على قدرتنا ومثله وحفظا.
193- ثم قال جل وعز: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} أي نحييها وننشرها بالزاي معجمة أي نركب بعض العضام على بعض ونرفع بعضها إلى بعض والنشز والنشز ما ارتفع عن الأرض ومن قرأ قال أعلم أن الله على كل شيء قدير فقال قتادة في قراءته أنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه إلى بعض لأن أول ما خلق منه راسه وقيل له انظر فقال عن ذلك هذا وروى طاووس عن ابن عباس قال اعلم على الأمر وإنما قيل له ذلك.
قال هارون في قراءة عبد الله قيل اعلم على وجه الأمر وقد يجوز أن يكون خاطب نفسه بهذا.
194- وقوله عز وجل: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} فيه قولان:
أحدهما أن المعنى ليطمأن أهل قلبي للمشاهدة كأن نفسه طالبته برؤية ذلك فإذا رآه اطمان والانسان قد يعلم الشيء من جهة ثم يطلب أن يعلمه من غيرها وهذا القول مذهب الجلة من العلماء وهو مذهب ابن عباس والحسن.
قال الحسن ولا يكون الخبر عند ابن آدم كالعيان والقول الاخر أن المعنى ولكن ليطمئن قلبي بأني إذا سألتك أجبتني كما روى عن سفيان عن قيس بن مسلم عن سعيد بن جبير قال أولم تؤمن بالخلة قال توقن بالخلة وروى أبو الهيثم عن سعيد بن جبير ولكن ليطمئن قلبي ليزداد.
195- ثم قال تعالى: {قال فخذ أربعة من الطير} حدثنا عبد الباقي بن احمد بن محمد بن عبد العزيز الاموي.
قال حدثنا أبى قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا عبد الله بن لهيعة عن عبيد الله بن هبيرة السبيني حديث عن حنش الصنعاني عن عبد الله بن عباس في قول الله جل وعز: {فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك} قال هو الحمام والطاووس والكركي والديك وروى الحكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس قال أخذ الديك والطاووس والغراب والحمامة قال مجاهد فصرهن انتفهن بريشهن ولحومهن قال أبو عبيدة صرت قطعت وصرت جمعت.
وحكى أبو عبيدة صرت عنقه أصورها عند وصرتها لأنه أصيرها أملتها وقد صور يقرأ بالضم والكسر وأكثر القراء على الضم قال الكسائي من ضمها جعلها من صرت الشيء املته وضممته الي قال وصر وجهك الي أبي أقبل به والمعنى على هذه القراءة فضمهن اليك وقطعهن ثم حذف وقطعهن لأنه قد دل عليه ثم اجعل على كل جبل منهن جزاءا ومن قرأ فصرهن بالكسر ففيه قولان أحدهما أنه بمعنى الاول.
والآخر أن أبا مالك والضحاك قالا فقطعهن.
قال أبو حاتم هو من صار إذا قطع قال ويكون حينئذ على التقديم والتأخير كأنه قال فخذ أربعة من الطير اليك فصرهن قال غيره ومنه قيل للقطيع من بقر الوحش صوار وصوار أي انقطعت فانفردت ولذلك قيل لقطع المسك أصورة كما قال إذا تقوم يضوغ أخبرنا المسك أصورة قال أبو جعفر وأولى ما قيل في معنى فصرهن وصرهن يا أنهما بمعنى القطع على التقديم والتأخير أي فخذ اليك أربعة من الطير فصرهن ولم يوجد التفريق صحيحا عن احد من المتقدمين ادعهن قال ابن عباس تعالين باذن الله فطار لحم ذا إلى لحم ذا سعيا أي عدوا على ارجاهن لو ولا يقال للطائر إذا طار سعى واعلم أن الله عزيز أي لا يمتنع عليه ما يريد حكيم فيما يدبر فلما قص ما فيه البراهين حث على الجهاد وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا ياتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم.
196- فقال تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} إلى قوله: {واسع عليم} أي جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة عليهم اين يضعه.
197- ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى} أي لاتمتنوا يكون بما أعطيتم وتعتدوا به وكأنكم تقصدون ذلك.
والاذى أن يوبخ المعطى فاعلم أن هذين يبطلان الصدقة كما تبطل صدقة المنافق الذي يعطي رياء ليوهم أنه مؤمن.
198- ثم قال تعالى: {فمثله} أي فمثل نفقته كمثل صفوان وهو الحجر الأملس مع والوابل المطر العظيم القطر فتركه صلدا قال قتادة ليس عليه شيء والمعنى لم يقدروا على كسبهم وقت حاجتهم ومحق فأذهب كما أذهب المطر التراب على الصفا ولم يوافق في الصفا مثبتا.
199- ثم قال: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم}.
أي وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه قال الحسن إذا اراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى وإلا أمسك وقال قتادة تثبيتا أي احتسابا وقال مجاهد يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم وقال الشعبي تصديقا ويقينا.
قال أبو جعفر ولو سعيد كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما وقول قتادة واحتسابا لا يعرف إلا أن يراد به أن أنفسهم تثببتهم بكر محتسبة وهذا بعيد وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على أنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه اثبته تثبيتا أي أنفسهم قوقنة قد مصدقة بوعد الله على تثبيتهم في ذلك.
200- ثم قال تعالى: {كمثل جنة بربوة} قال مجاهد هي الأرض المرتفعة المستوية أضعفت في ثمرها قال قتادة بربوة يقول نبشز وفي من الأرض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما أنه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان أن أصابها وابل وهو المطر الشديد وإن اصابها طل قال مجاهد هو الندى وقيل مطر صغير في القدر يدوم قال محمد بن يزيد أي فالطل يكفيها.
201- ثم قال جل وعز: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} إلى قوله: {فاحترقت} قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا الله أعلم فغضب عمر وقال قولوا نعلم أو لا نعلم قال فقال ابن عباس أن في نفسي منها شيئا فقال قل ولا تحقر نفسك قال ضرب مثلا للعمل قال أي العمل قال فقال عمر هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث إليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الاعمال وروي عن ابن عباس بغير هذا الاسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالاعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة اعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها وروي عن ابن عباس أنه قال الاعصار الريح الشديدة قال أبو جعفر والاعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة.
202- ثم قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم} أي تصدقوا بالجيد.
وحدثنا احمد بن محمد بن سلامة قال حدثنا بكار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن السدي عن أبى مالك عن البراء قال كانوا يجيئون في الصدقان كل بأردإ تمرهم وأراد طعامهم فنزلت يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم إلى قوله إلا أن تغمضوا فيه قال لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وانتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم قال أبو اسحاق في قوله تعالى: {واعلموا أن الله غني حميد} أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك وعلى جميع نعمه.
203- ثم قال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر} أي بالفقر يخوفكم حتى تخرجوا الردئ في الزكاة ويأمركم بالفحشاء بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا والله يعدكم مغفرة منه وفضلا أي بأن يجازيكم على صدقاتكم بالمغفرة والخلف والله واسع عليم يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ويعلم الغيب والشهادة.
204- ثم قال تعالى: {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا}.
روى علي بن أبى طلحة عن ابن عباس ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة ومقدمة ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله قال مجاهد العقل والعفة والاصابة في القول وقال زيد بن أسلم الحكمة العقل في دين الله وقال الضحاك الحكمة القرآن وقال قتادة الفهم قلت وهذه الاقوال متفقة وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه فقيل للعلم حكمة لأنه به يمتنع وبه يعلم الامتناع من السفه وهو كل فعل قبيح وكذا القرآن والعقل والفهم وقال ابراهيم النخعي الفهم في القرآن.
205- ثم قال تعالى: {وما يذكر إلا أولو الالباب} أي ومل يفكر فكرا يذكر به ما قص من الآيات إلا ذوو العقول ومن فهم الله عز وجل أمره ونهيه.
206- ثم قال عز وجل: {وما انفقتم من نفقة} قال أبو اسحاق أي في فرض لأنه ذكر صدقة الزكاة أو نذرتم من نذر كل ما نوى الانسان أن يتطوع به فهو نذر وقيل المعنى ما انفقتم من نفقة من غير نذر أو انذرتم ثم عقدتم على أنفسكم أنفاقه فإن الله يعلمه أي لا يخفى عليه فهو يجازي به قال مجاهد يعلمه أي يحصيه.
207- ثم قال تعالى: {إن تبدوا الصدقات} أي تظهروها وفي الحديث صدقة السر تطفئ غضب الرب وقيل كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاما اليوم فالناس يسيئون الظن.
قال الحسن اظهار الزكاة أحسن واخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على أنه يراد الله عز وجل به وحده وقال الضحاك كان هذا يعمل به الذين ينفقون أموالهم باليل والنهار سرا وعلانية فلما نزلت براءة بفريضة الصدقة وتفصيلها انتهت الصدقة إليه.
208- وقوله جل وعز: {ليس عليك هداهم} روى سعيد بن جبير عن ابن عباس كانوا يكرهون أن يتصدقوا على اقربائهم من المشركين فرخص لهم في ذلك فنزلت ليس عليك هداهم إلى آخر الآي.
209- وقوله عز وجل: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} قال مجاهد يعني مهاجري قريش الذين كانوا بالمدينة وقال غيره معنى أحصروا في سبيل الله منعهم فرض الجهاد من التصرف وقيل شغلهم عدوهم بالقتال عن التصرف قال أبو جعفر واللغة توجب أن أحصروا من المرض إلا أنه يجوز أن يكون المعنى صودفوا فلا على هذه الحال.
210- ثم قال تعالى: {لا يستطعون ضربا في الأرض} قيل قد الزموا أنفسهم الجهاد كما يقال لا أستطيع أن أعصيك أي قد ألزمت نفسي طاعتك.
211- ثم قال تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} ليس الجهل هاهنا ضد العقل وإنما هو ضد الخبرة.
212- ثم قال تعالى: {تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا} يقال الحف في المسألة أخفى والح بمعنى واحد.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من سال وله أربعون درهما خقد منه ألحف قال أبو اسحاق معناه فقد شمل بالمسالة ومنه اشتق الحاف قال ومعنى لا يسالون الناس الحافا لا يكون منهم سؤال فيكون الحاف كما قال الشاعر:
على لا حب لا يهتدى بمنارة ** إذا سافه العود النباطي جرجرا

أي ليس به منار فيهتدى به.
213- وقوله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار} حدثنا احمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس في قوله الذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية قال نزلت في علي بن أبى طالب رضوان الله عليه كانت معه أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما وبالنهار درهما وسرا درهما وعلانية درهما.
214- وقوله عز وجل: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} المعنى {الذين يأكلون الربا} في الدنيا {لا يقومون} في الآخرة {إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
قال قتادة أي الجنون وقال غيره هذا علامة لهم يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم مسرعين كما قال تعالى: {يخرجون من الاجداث سراعا} إلا اكلة الربا فإنهم يقومون ويسقطون أربى الله الربا في بطونهم يوم القيامة حتى ثقلهم منهم ينهضون ويسقطون ويريدون الاسراع فلا يقدرون.
215- ثم قال تعالى: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى} قال سفيان يعني القرآن ومعنى فله ما سلف مغفور له.
216- ثم قال تعالى: {وامره إلى الله} قال أبو اسحاق أي الله جل وعز: {وليه} قال غيره وامره إلى الله في عصمته وتوفيقه أن شاء عصمه عن اكله وإن شاء خذله عن ذلك وقال بعض أهل التفسير وأمره إلى الله في المستقبل وهذا قول حسن بين أي وأمره إلى الله في المستقبل أن شاء ثبته على التحريم وإن شاء اباحه.
217- ثم قال تعالى: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} قال سفيان من عاد فعمل بالربا حتى يموت وقال غيره من عاد فقال إنما البيع مثل الربا فقد كفر.
218- وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا} قال مجاهد كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول لك كذا وكذا وتؤخر عني فيؤخر عنه ويزيده.
219- وقوله جل وعز: {فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي فأيقنوا يقال أذنت بالشئ فأنا أذين به كما قال فإني أذين أن رجعت مملكا ومعنى فآذنوا فأعملوا غيركم انكم على حربهم.
220- ثم قال تعالى: {وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون}.
ثم قال الضحاك كانوا في الجاهلية يتبايعون بالربا فجاء الاسلام وقد بقيت لهم اموال فامروا أن يأخذوا رءوس أموالهم ولا يأخذوا الربا الذي كانوا أربوا به وأمروا أن يتصدقوا على من كان معسرا.
221- ثم قال جل وعز: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} قال ابراهيم نزلت في الربا قال الربيع بن خيثم هي لكل معسر ينظر قال أبو جعفر وهذا القول الحسن لأن القراءة بالرفع بمعنى وإن وقع ذو عسرة من الناس أجمعين أم كان فيمن تطالبون أو تبايعون ذو عسرة.
ولو كان في الربا خاصة لكان النصب الوجه بمعنى وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة على أن المعتمر قد روى عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان وإن كان ذا عسرة والمعنى فعليكم النظرة أي التأخير إلى أن يوسر وروى عن عطاء أنه قرأ فناظرة إلى ميسرة على جهة الأمر.
222- ثم قال تعالى: {وإن تصدقوا خير لكم أن كنتم تعلمون} قال ابرهيم أي برأس المال قال الضحاك وأن تصدقوا من رأس المال خير من النظرة.
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال زعم ابن عباس أن اخر آية نزلت من القرآن واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله قرئ على احمد بن شعيب عن محمد بن عقيل عن علي بن الحسين قال حدثني أبي عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} الآية إنها آخر آية انزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
223- وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} في معناها أقوال منها أن هذا على الندب وليس بحتم.
ومنها أن أبا نضرة روى عن أبي سعيد الخدري أنه تلا هذه الآية يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين حتى بلغ فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي ائتمن امانته قال نخست هذه الآية ما قبلها وقيل أن هذا واجب في الاجل والاشهاد في العاجل وإنما الرخصة في الرهن ويقال داينت الرجل إذا اقرضته واستقرضت منه وكذلك تداين القوم وأدنت الرجل بعته بدين ودنت وادنت أي أخذت بدين وأنا دائن ومدان والمدين الملك إذا دان الناس له أي سمعوا واطاعوا.
ومما يسأل عنه أن يقال ما وجه بدين وقد دل تداينهم على الدين فهل تكون مداينة بغير دين فالجواب أن العرب تقول تداينا أي تجارينا وتعاطينا الاخذ والاعطاء فجاء بدين مبينا للمعنى المقصود.
224- وقوله جل وعز: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل} قال السدي بالحق أي لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما له ولا اقل.
225- ثم قال تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} قيل كما علمه الله من الكتابة بالعدل.
وقيل كما فضله الله بعلم الكتابة.
226- ثم قال تعالى: {فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو} قال ابن وهب أخبرني يونس أنه سال ربيعة ما صفة السفيه فقال الذي لا يثمر ماله في يدعه ولا أبتياعه ولا يمنع نفسه لذة يسقط في المال سقوط من لا يعد المال شيئا الذي لا يرى له عقل في مال وروي عن ابن عباس أنه قال السفيه الجاهل با لاملاء والضعيف الاخرق وقال أبو اسحاق السفيه الخفيف العقل ومن هذا تسفهت الريح إذا حركته واستخفته: ومنه:
مشين كما اهنزت غير رماح تسفهت ** أعاليها مر الرياح النوسم أحمد

وحكى غيره أن السفه كل ما يقبح فعله أي هو فعل ليس بمحكم من قولهم ثوب سفيه إذا كان متخلخلا بعد فأما الضعيف فهو والله أعلم الذي فيه ضعف من خرس أو هرم أو جنون.
227- ثم قال تعالى: {فليملل وليه بالعدل} في معنى هذا قولان.
روى سفيان عن يونس عن الحسن فليملل ولية بالعدل قال الضحاك ولى السفيه الذي يجوز عليه أمره فهو وليه أي يقوم بأمره بالعدل هو الذي يملي الحق والقول الاخر عن ابن عباس أن المعنى فليملل ولي الذي هو عليه واحتج بهذا القول من ذهب إلى نفي الحجر عن الاحرار البالغين العقلاء وهو مذهب محمد بن سيرين وابراهيم النخعي.
228- ثم قال عز وجل: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} قيل من أهل ملتكم.
229- ثم قال تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} أي ممن ترضون مذهبه قال ابراهيم ممن لم تظهر له ريبة.
230- ثم قال تعالى: {أن تضل احداهما فتذكر احداهما الاخرى} أي أن تنسى أحدهما فتذكرها الاخرى وروي عن الجحدري أن تضل أي تنسى كما يقال أنسيت كذا فأما ما روي عن ابن عيينة من أنه قال تصير شهادتهما بمنزلة شهادة الذكر فلا يعرفه أهل اللغة وهو أيضا خطأ لأنه لو كان إنما معناه نجعلها بمنزلة الذكر لم يحتج إلى أن تضل لأنها كانت تجعلها بمنزلة الذكر ضلت أو لم تضل ولا يجوز أن تصيرها بمنزلة الذكر وقد نسيت شهادتها واما فتح أن فنذكره في الإعراب أن شاء الله.
231- ثم قال عز وجل: {ولا يأب} يقول: {الشهداء إذا ما دعوا} روى ابن نجيح عن مجاهد قال إذا دعي ليشهد وقد كان أشهد وقال الحسن وإذا ما دعوا ابتداء للشهادة ولا يأبوا إذا دعوا لاقامتها لأن.
قال أبو جعفر قيل قول الحسن أشبه لأنه لو كان ذلك لهم لتويت وقد الحقوق ولان بعده ولا تساموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله أي لا تملوا أن تكتبوا الحق كان كثيرا أو قليلا كما يقال لاعطينك حقك صغر أو كبر وقال الأخفش أن تكتبوه فاضمر الشاهد قال وقال إلى أجله أي إلى الاجل الذي تجوز فيه شهادته والله أعلم هذا في كلام الأخفش نصا قال أبو جعفر واختار محمد بن جرير قول مجاهد أن المعنى ولا ياب الشهداء إذا ما دعوا أن ذلك إذا كانت عندك شهادة فدعيت وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وعكرمة والشعبي والنخعي.
قال محمد ابن جرير لأن الله قد الزمهم اسم الشهداء وإنما يلزمهم اسم الشهداء إذا شهدوا على شيء قبل ذلك وغير جائز أن يقال لهم شهداء ولم يشهدوا ولو كان ذلك لكان الناس كلهم شهداء بمعنى أنهم يشهدون فصار المعنى إذا ما دعوا ليؤدوا الشهادة وايضا فدخول الألف واللام يدل على أن المعني بالنهي شخص معلوم.
232 ثم قال تعالى: {ذلكم اقسط عند الله وأقوم للشهادة} قال سفيان معناه أعدل ثم قال وأقوم الشهادة أي أثبت لأن الكتاب يذكر الشاهد ما شهد عليه.
233- ثم قال تعالى: {وأدنى إلا ترتابوا} أي لا تشكوا ثم رخص في ترك الكتابة فيما يجري بين الناس كثيرا فقال تعالى: {الا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم}.
234- وقوله جل وعز: {ولا يضار كاتب ولا شهيد} فيه أقوال منها أن المعنى على قول عطاء لا يمتنعا علي إذا دعيا كما روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال كان عمر يقرأ ولا يضارر كاتب ولا شهيد وقال طاووس لا يضارر كاتب فيكتب ما لم يملل عليه وقال الحسن ولا يضارر الشهيد أن يزيد في شهادته وروي عن ابن عباس ومجاهد ولا يضار كاتب ولا شهيد قالا نهي أن يجاء إلى الشاهد والكاتب فيدعيا حتى إلى الكتابة والشهادة وهما مشغولان فيضارا تعالى فيقال قد أمركما الله إلا تمتنعا فإن وهو مستغن عنهما.
والتقدير على هذا القول ولا يضارر وكذا قرأ ابن مسعود فنهى الله جل وعز عن هذا لأنه لو أطلقه لكان فيه شغل عن أمر دينهما ومعاشهما.
235- ثم قال جل وعز: {وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم} قال سفيان {فإنه فسوق بكم} قال معصية.
236- ثم قال تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} وقرأ ابن عباس كتابا وقال قد يوجد الكاتب ولا توجد الصحيفة وكذا قرأ أبو العالية وعكرمة والضحاك ومجاهد.
وقيل أن كتابا جمع كاتب كما يقال قايم وقيام وقيل هما بمنزلة اثنين.
237- ثم قال تعالى: {فرهان مقبوضة} قرئ فرهن مقبوضة رهن جميع رهان ويجوز أن يكون جمع رهن مثل سقف وسقف.
238- وقوله عز وجل: {وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} فيها أقوال روي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} إلا أن علي بن أبى طلحة روى عن ابن عباس أنه قال لم تنسخ ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول إني أخبركم بما كنتم في أنفسكم فاما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب فذلك قوله عز وجل: {يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} وهو قول جل وعز: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} من الشك والنفاق وحدثنا احمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن آدم بن سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله دخل قلوبهم منها شيء لم يدخلها من قبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله عز وجل: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} الآية وأنزل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو اخطأنا} قال قد فعلت {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال قد فعلت {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال قد فعلت.
وروى إسماعيل بن أبى خالد عن الشعبي قال نسختها الآية التي بعدها لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وروى مقسم عن ابن عباس نزلت في الشهادة أي في اظهارها وكتمانها وقال مجاهد هذا في الشك واليقين وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية إنها سألت عائشة عن هذه الآية وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله وسألتها عن هذه الآية من يعمل سوءا يجز به فقالت عائشة ما سألني عنهما أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عائشة هذه معاتبة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع لها فيجدها في ضبنه حتى أن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الاحمر من الكير.
وقال الضاحك يعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه وقيل لا يكون في هذا نسخ لأنه خبر ولكن يبينه أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فالمعنى والله أعلم وإن تبدوا ما في انفسكم أو تخفوه من الكبائر والذي رواه علي بن أبى طلحة عن ابن عباس حسن والله أعلم بما اراد فأما ما روي عن ابن عباس من النسخ فمما يجب أن يوقف على تأويله إذ كانت الاخبار لا يقع فيها ناسخ ولا منسوخ فان صح فتاويله أن الثاني مثل الاول كما تقول نسخت هذا من هذا وقيل فيه قول أخر يكون معناه فأزيل ما خالط قلوبهم من ذلك وبين.
239- وقوله جل وعز: {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} أي كلهم آمن بالله وقرأ ابن عباس وكتابه وقال كتاب أكثر من كتب يذهب إلى أنه اسم للجنس.
240- وقوله جل وعز: {لا نفرق بين احد من رسله}.
روي عن ابن مسعود وابن عباس ويحيى بن يعمر أنهم قرءوا لا يفرق بمعنى كل لا يفرق أي لا يفرق الرسول والمؤمنون بين احد من رسله ومن قرأ بالنون فالمعنى عنده قالوا لا نفرق بين احد من رسله أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويدل على النون ربنا.
241- ثم قال تعالى: {وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير} ومعنى غفرانك اغفر لنا غفرانا.
242- وقوله جل وعز: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} عمر وسعها أي طاقتها أي لا يكلفها فرضا من الفروض لا تطيقه لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت قال محمد بن كعب لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر وقال غيره معناه لا يؤاخذ احد بذنب احد.
243- وقوله جل وعز: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال قطرب النسيان هاهنا الترك كقول الرجل للرجل لا تنسني من عطيتك أي تتركني منها.
قال أو أخطانا أي خطئنا واذنبنا النبي ليس على الخطأ قال أبو جعفر الذي قال قطرب في نسينا معروف في اللغة قال عز وجل: {نسو الله فنسيهم} وقد يجوز أن يكون من النسيان لأن النسيان قد يكون سببه الاقبال على ما لا يحل حتى يقع النسيان والذي قال في أخطأنا لا يعرفه أهل اللغة لأنه إنما يقال خطينا أي تعمدنا الذنب وأخطأنا إذا لم نتعمده فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر ولا يكون معنى أخطأنا دخلنا في الخطيئة كما يقال أظلمنا وأصبحنا وأنجدنا.
244- وقوله جل وعز: {ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا}.
قال مجاهد الاصر العهد قال سعيد بن حبير الاصر شدة العمل وما غلظ على بني اسرائيل من البول ونحوه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لامتي عما حدثت به انفسها ما لم تعمل به أو تكلم به قال الضحاك كانوا يحملون أمورا شدادا قال مالك الاصر الأمر الغليظ قال أبو عبيدة الاصر الثقل.
قال أبو جعفر وهذه الاقوال ترجع إلى معنى واحد أي لا تأخذ عهدنا بما لا نقوم به إلا بثقل أي لا تحمل علينا اثم العهد كما قال تعالى: {وأخذتم على ذلكم اصري} وما امروا به فهو بمنزلة ما أخذ عهدهم به ومعنى ما تأصرني وإن على فلان آصرة أي ما يعطفني عليه عهد ولا قرابة.
245- وقوله جل وعز: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} معنى ما لا طاقة لنا به ما يثقل نحو لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة كما يقال لا اطيق مجالسة فلان أي ذلك يثقل علي والاصر ثقل العهد والفرض وما لا طاقة لنا به ما يقل بالاضافة وقد يجوز أن يخف على غيرنا.
246- ثم قال جل وعز: {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}.
{واعف عنا} أي: إمح عنا نوبنا كما والعافي الدارس الممحي هو والعافية دروس البلاء واغفر لنا أي غط على عقوبتنا واسترها وسلم وقيل أي امح عنا ذنوبنا أنت مولانا أي ولينا وناصرنا وقال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ** مولى المخافة خلفها وأمامها

تمت سورة البقرة. اهـ.